رسائل كريم... للدولة والمودعين

رسائل كريم... للدولة والمودعين -- Apr 28 , 2025 21

الكلمة المقتضبة التي ألقاها حاكم مصرف لبنان كريم سعيد في اجتماعات الربيع في صندوق النقد الدولي، تستحق أن تُقرأ أكثر من مرة، لأنها تتضمّن مواقف ورسائل يمكن البناء عليها لمعرفة التوجهات المستقبلية للسياسة التي سيتّبعها الحاكم، وللأفكار والوقائع التي يؤمن بها، سواء سمحت الظروف بتنفيذها أم لا. ولأن سعيد سبق وأعلن منذ تعيينه في منصبه، الصيام عن الكلام في الإعلام، والاكتفاء بالبيانات التي تصدر عنه أو عن مصرف لبنان، يمكن اعتبار هذه الكلمة بمثابة إعلان نوايا. 

 

ماذا قال حاكم المركزي أمام المجتمعين في صندوق النقد في واشنطن؟

أولاً- الأزمة التي أصابت لبنان هي أزمة نظامية، وليست نقدية أو مصرفية أو موضعية. طبعاً، تعمّد سعيد عدم استخدام تسمية نظامية لئلا يسيء أصحاب النوايا السيئة التفسير. واستعاض عن ذلك بالقول إنها «فشل مؤسسي عميق هزّ ركائز القطاعين العام والخاص على حد سواء».

 

وبالمناسبة، لا يزال البعض، وبينهم «خبراء» اقتصاد، يُخطئون في تعريف الأزمة النظامية. إذ يقول هؤلاء إنها أزمة نظامية لأنها بدأت مع الدولة عندما اعلنت التوقف عن دفع ديونها الخارجية (اليوروبوندز).  ويقول آخرون إنها نظامية لأن الدولة هي الجهة التي أنفقت الأموال وتسببت بالفجوة، وبالتالي، عليها دفع الأموال لسدّ هذه الفجوة. أما على المستوى الشعبي، فإن كثيرين يعتقدون لدى سماعهم عبارة أزمة نظامية بأن المقصود ان النظام السياسي مسؤول عن الأزمة. لكن الحقيقة أن تعريف أزمة نظامية يمكن اختصاره بأنه يشمل كل أزمة، يمكن أن تمتد تداعياتها وانعكاساتها السلبية لتشمل كل النظام المالي الخاص والعام في البلد، وتهدد الاستقرار الاقتصادي برمته. وهذا بالتحديد ما قصده حاكم المركزي عندما تحدث عن اهتزاز القطاعين العام والخاص على حد سواء.

ثانيا- في مسار الإصلاح المطلوب، أعطى سعيد الأولوية لإصلاح القطاع العام «المتضخّم»، وهذا يعكس إيمان الرجل بأن أساس الأزمة يكمن في هذه النقطة بالذات.

ثالثا- في موضوع معالجة قضية الودائع، وهو الأمر الأكثر صعوبة والأشد حساسية، والذي يخشى السياسيون مقاربته بموضوعية، وتطغى على مواقفهم الشعبوية التي تهدف إلى إرضاء المودعين، ولو على حساب الحقيقة القاسية، انتقى سعيد كلماته بدقة متناهية، عندما قال إنه «يجب حماية المودعين إلى أقصى حد ممكن، ولكن ضمن استراتيجية واقعية وعادلة».

هذه الكلمات تعني أن إعادة الودائع سيكون لها سقف. (أقصى حدٍ ممكن). وأن خطة إعادة الأموال لأصحاب الحقوق، ينبغي أن تكون «واقعية وعادلة». وهذا المفهوم لا يمكن تفسيره سوى أن أموال الفجوة المالية التي تبلغ حوالى 75 مليار دولار غير قابلة للعلاج بالكامل، بصرف النظر عن المبالغ التي ستكون الدولة قادرة على دفعها تسديداً لديون أو لأموال «استولت» عليها خلال سنوات من مصرف لبنان. وبالتالي، لا بد من حلول وسطية قابلة للتنفيذ، وفي الوقت نفسه يوافق عليها صندوق النقد، لمعالجة هذه الأزمة. 

 

طبعاً، هذه المقاربة قد لا ترضي المودعين الراغبين بسماع كلمات طنّانة من وزن أن الودائع ستعود كلها وكاملة إلى أصحابها. لكن يبدو أن كريم، من طينة المسؤولين الذين يعتبرون أن القرارات الصعبة يتخذها الرجال في الزمن الصعب، ولو على حساب «مصالحهم» الخاصة، لأن الإنقاذ أهم من أي كرسي أو موقع. وفي كل الأحوال أشار سعيد إلى ثمن الإصلاح بوضوح، عندما ختم بالتأكيد أن الدولة عازمة على «اتخاذ الخيارات الصعبة»، ولو اضطرت إلى «تحمّل الكلفة السياسية للإصلاح».

أنطوان فرح-نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

بيانٌ... هل سترتفع أسعار المواد الغذائيّة؟

أقرأ أيضاَ

قطاع النبيذ يدخل إلى لبنان أكثر من 20 مليون دولار سنوياً